رايموند فرانسيس، فَهم المرض ج2 والأخير
قاسم مُشترَك آخر للمرض هو درجة الحموضة الخلوية الغير طبيعية. تبلغُ درجة الحموضة الخلوية العادية 7.4، والحفاظ عليها هو أمر حساس. إن أصبحت خلاياك حمضية جداً أو قلوية جداً، فسوف يتمُّ تقييد وظائف معينة وتعزيز أخرى. هذا يؤدي إلى عطل خلوي، وعادةً ما يكون مرض السرطان مرضاً سببه الكثير من الحموضة. من أين تأتي الحموضة؟ إنها تأتي من غذاء غني بالأطعمة المكوِّنة للحمض مثل السكر، الطحين الأبيض، منتجات الحليب، والمشروبات الغازية. تجمع المشروبات الغازية السكر مع حمض الفوسفوريك لتُنتِج تأثيراً حمضياً قوياً. إنّ إلغاء الطعام المكوِّن للحموضة من غذائك بينما تتناول غذاءً غني بالأطعمة القلوية كالفواكه والخضار الطازجة، ودعمها بالمعادن لسوف يوازن درجة الحموضة ويمنع ويوقف المرض. الأمر بهذه السهولة.
أغشية الخلايا المتواجدة بشكلٍ غير صحيح، هو سبب آخر شائع للمرض. لكلّ خليّة جدار يُسمى بغشاء الخلية. كلُّ شيء يدخل أو يخرج من وإلى الخلية يجب أن يعبُر من خلال الغشاء الذي هو كحارس البوابة يتأكد من أنّ الأشياء الصحيحة فقط هي التي تدخل وتخرج. تُسَبِّب أغشية الخلايا المتشكلة بشكلٍ غير صحيح بعُطل خلوي ومرض. لأجل منع أو وقف المرض، يجب أن تُبنى بلايين الخلايا الجديدة التي نخلقها يومياً بمواد بناء مناسبة. تُعَدّ الزيوت النباتية والمُهَدرَجة الشائع استعمالها في غذائنا أدوات بناء خاطئة. عبر التاريخ كانت نسبة زيوت الأوميغا 6 للأوميغا 3 في غذائنا صحية 1:1. اليوم لم تعُد صحية 20:1. يُفَضَّل استخدام زيوت الأسماك وبذور الكتان كمواد بناء. إبتعد عن جميع الزيوت المصنَّعة واعتمد الزيوت الصحية. كم هو سهل.
يُعتبر الإلتهاب سبباً مشتركاً لجميع الأمراض تقريباً. يولَّد الإلتهاب جذور/ ذرات حُرة تضُرُّ بأغشية الخلايا والحمض النووي والآلية الخلوية. وتكون النتيجة الشيخوخة والمرض. لأجل أن نمنع أو نوقف الشيخوخة والمرض، ضروري أن نمنع أو نوقف الإلتهاب. ما يُسَبِّب الإلتهاب في المقام الأول هو الغذاء الأمريكي المُتَّبَع. السكر، الطحين الأبيض، منتجات الألبان، الأسماك المستزرَعة واللحوم، والزيوت المصنَّعة. جميعها موالية للإلتهابات. باستهلاك غذاء يحوي نسبة عالية من المواد الكيميائية الموالية للإلتهابات، ونسبة متدنية من المواد الكيميائية المضادة للإلتهابات، يُعاني أغلب البشر اليوم من إلتهابات وأمراض مُزمِنة. وما يتسبب بتدهور الأمور أكثر، هو أنّ الغذاء الأمريكي يؤدي إلى البدانة. إثنان من بين ثلاثة أمريكيين يعانون من زيادة في الوزن، والخلايا الدهنية تُنتِجُ فيضاناً مستمراً من المواد الكيميائية الإلتهابية. لأجل منع أو وقف الإلتهاب علينا أن نتحاشى الأطعمة المسببة للإلتهابات وأن نتناول غذاءً غني بالخُضروات والفواكه الطازجة والمكمِّلات الغذائية المضادة للأكسدة. الأمر بهذه السهولة.
لسوء الحظ، ليس على الأطفال اليوم الإنتظار حتى يصبحوا مَرضى. إنهم يولدون مَرضى. تؤثر أوجه القصور والسميات الموجودة في الأهل، بصحة الجنين، وبالتالي فهي تؤثر في صحة هذا الطفل لمدى الحياة، كما وتؤثر في صحة الأحفاد الذين سوف يولدون. أثبت الطبيب Francis Pottenger في مطلع القرن العشرين بأنّ تناول الأطعمة المصنَّعة قد أثر في صحة أطفال وأحفاد الأهل الذين تناولوا مثل هذا الغذاء. واليوم يشكِّل الطعام المصنّع أساس غذائنا. لهذا السبب يولد أغلبُ أطفالنا بأدمغة وأجساد غير طبيعية، حتى ولو لم يظهر الأمر جلياً في البدء. أدمغتنا على سبيل المثال، تكبُر أكثر فأكثر عبر التطور البشري. هذه العملية أصبحت اليوم معكوسة. أدمغة أولادنا آخذة بالغدوّ أصغر وأصغر، يصاحِب تناقُص حجم الدماغ هذا سلسلة من الإضطرابات السلوكية والعنف والإنتحار وأداء أكاديمي ضعيف.
لأجل تحقيق أقصى قدر من الصحة مدى الحياة، يجب توفير جميع المواد الخام التي يحتاجها الجنين في مرحلة النمو، ويجب أن تتم حمايتها من السموم التي قد تعطِّل عملية بنائها الحساسة. لسوء الحظ، فهذا يحدثُ نادراً في أمريكا اليوم. وبدلاً من ذلك، تعاني الأجنة عادةً من نقْصٍ في المواد الخام الضرورية وتتعرض لسموم عديدة. إنّ التغذية الضعيفة في الرحم وخلال الطفولة تُبرمِج الجينات لأجل الإصابة المُبكرة بأمراضٍ مُزمِنة كبيرة. كما أنّ التغذية الجيدة مطلوبة لأجل إزالة السموم. بدون مواد غذائية تدعم طرق إزالة السموم، ستبقى السموم وتسبب المزيد من الضرر.
من بين السموم العديدة التي تُمَرَّر من الأم للطفل وتتسبب بالمرض للطفل الذي لم يولد بعد، الزئبق. الزئبق الآتي من حشو الأسنان واللقاحات والسمك يتدخل بالأنزيمات التي تتحكم بكيفية تنظيم دماغ الجنين. حتى التغيرات الصغيرة في تنظيم أو بنية الدماغ سوف تؤثر في السلوك، التعلُّم، مستوى التفكير الأعلى وغيرها من وظائف الدماغ، بما فيها السيطرة على الجهاز المناعي والهضمي والهرموني. كما وأنّ الفلوريد هو مشكلة أخرى. المياه التي تحوي الفلوريد ومعجون الأسنان والأطعمة الملوثة بالفلوريد تنذر بمخاطر صحية كبيرة للطفل الذي لم يولد بعد وتخفيض نسبة الذكاء وتقليل الكثافة السكانية. الأسبارتام هو خطر آخر شائع. إنه تحلية اصطناعية موجودة في المشروبات الغازية الخاصة بالريجيم، كذلك الأطعمة. ينقسمُ داخل الجسم إلى عدد من الكيماويات الشديدة السموم والتي بإمكانها أن تضر الحمض النووي للجنين، وتغيِّر وظائف المخ، كما وتؤدي للسرطان. لأجل ضمان صحة الطفل الذي لم يولد بعد، علينا دعم الجنين بكل شيءٍ يحتاجه وأن نحميه من الأذى.
لن يكتمل أيّ نقاش حول المرض ما لم ننبِّه كيف يقوم الطب المعاصر بالإسهام في النقص والسمية والمرض. إنّ التدخل الطبي هو واحد من الأسباب التي تقود للمرض، ويمكننا القول بأنه واحد من الأسباب التي تقود للموت. إنّ موقف الطب القديم واللاعلمي من الصحة والمرض قد قاد إلى أخطاء جدية مَلحَمية: الأشعة السينية، اللقاحات، العمليات التي لا ضرورة لها، ووصفات الأدوية. كلّ واحدة من هؤلاء تتسبب بعطل خلوي ولها تأثيرات مدمرة على الصحة. الأشعة السينية التي هي غير ضرورية في أكثر الأحيان، تؤدي إلى ضرر في الحمض النووي والآلية الخلوية وقد استُشهِد بها كعامل أساسي مساعِد في 60% من السرطانات و70% من أمراض القلب. كما وتمّ الإستشهاد باللقاحات كاعتداءٍ طبي على جهاز المناعة. لعلّ المضادات الحيوية تُعتبر من أعظم الأخطاء. إنّ المضادات الحيوية تقومُ في الأساس بتغيير كيمياء الجسد وتتسبب بمرض من كلِّ نوع.
تقوم المضادات الحيوية بتغيير التوازن الميكروبي في الجهاز الهضمي، ما يقود إلى طوفان من الأحداث تصاحبها تأثيرات مدمِّرة. يعمل الجهاز الهضمي كدماغ وكسيد الغدة الصماء التي تتحكم بجهاز المناعة. تغيير توازن الكائنات الحية الدقيقة في القناة الهضمية يغيِّر الكيمياء الخاصة بها، ما يؤثِّر في كِلا الجهازين المناعي والهضمي. وتكون الأعطال الناتجة عن ذلك مسؤولة بشكلٍ كبير عن سلسلة الإضطرابات العصبية (الزهايمر، التصلب الجانبي الضموري، التصلب المتعدد، شلل الرعاش، إلخ….)، وعن أمراض المناعة (الحساسية، الربو، التهاب المفاصل، الذئبة، الإيدز، إلخ….). يؤدي نبات القناة الهضمية الغير طبيعي إلى قصور خلوي من خلال تثبيط الهضم وإنتاج عناصر غذائية هامة، ومن خلال سوء الإمتصاص. يؤدي إلى السمية من خلال إنتاج سموم داخلية بكتيرية وفطرية غير طبيعية. تتدخل هذه السموم بتخليق البروتين وإنتاج الطاقة فتتسبب بالتعب وفي النهاية بزيادة في موت الخلايا. وبما أنّ المضادات الحيوية لا ضرورة لها بالمرة تقريباً، فهناك بدائل أكثر أمناً وأفضل، فهذا يشجعنا على تحاشي المضادات. كم الأمر سهل.
إنّ معرفة أن المرض هو نتيجة خلل الخلايا وفَهم ما الذي يؤدي إلى خللها، يمنحنا القوة لأجل منع أو وقف المرض. من خلال الإنتباه لتأمين ما تحتاجه خلايانا، وتحاشي السميات، وعيش أسلوب حياة جيد، يصبح بإمكاننا وضع حَدّ لسلسلة الأمراض المُزمنة. إبدء بهذه التغييرات اليوم، ولسوف تتجاوز الصحة كما تعرفها.
رايموند فرانسيس هو عالِم تدريب في جامعة MIT، مستشار تغذية مسجل، مؤلف كتاب Never Be Sick Again وكتاب Never Be Fat Again، مقدِّم برنامج Beyond Health Show، رئيس مشروع “لأجل إنهاء المرض” وقائد معروف عالمياً في مجال الحفاظ على الصحة المُثلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق