الأربعاء، 13 يناير 2016

« الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـالـثـة تـنـتـظـر ( سـاعـة الـصـفـر )! »

« الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـالـثـة تـنـتـظـر ( سـاعـة الـصـفـر )! »
هل يمكن أن يكون الصراع الحالى فى أوكرانيا عود ثقاب يشعل الحرب العالمية الثالثة؟ الإجابة عند بعض المراقبين الغربيين: لا؛ لأن الحرب بدأت بالفعل، وهى الآن فى مراحلها الأولى التى ستتسع على الأرجح لمواجهة مفتوحة بين روسيا والصين وإيران من ناحية، والولايات المتحدة وأوروبا واليابان من ناحية أخرى، وستلعب فيها أوكرانيا نفس دور بولندا فى الحرب العالمية الثانية، أى الشرارة الأولى للحرب، والشرق الأوسط سيكون ميدان المعركة الرئيسى. هؤلاء المراقبون يرون أن ما يحدث فى الشرق الأوسط ( تفتيت سوريا ومحاصرة إيران، وقبل ذلك غزو العراق وأفغانستان، واستهداف مصر، بعد الربيع العربى )، وما يجرى فى أوكرانيا فى سياق واحد، وهو مخطط أنجلو - أمريكى للسيطرة على العالم والقضاء على فرص صعود روسيا والصين نهائياً ومحاصرتهما بالقواعد العسكرية من كل اتجاه.. يقابله تحفز من جانب بكين وموسكو أوضح علاماته تصديهما لمحاولات واشنطن ضرب إيران ودعم بشار الأسد فى سوريا ورفض محاولات حلف شمال الأطلسى التسلل لحدود روسيا عبر شبه جزيرة القرم..
والأهم من كل ذلك استعدادات لتوجيه ضربة «محسوبة العواقب» للدولار الأمريكى.. «الوطن» ترصد اللحظات التاريخية الأولى للحرب الكونية التى بدأت تتجمع سحبها السوداء فى صمت، وقد تنطلق مدافعها فى أى وقت معلنة نهاية العالم.
الحروب الكبرى مثل الثورات لا يعرف متى يمكن أن تبدأ إلا بعد اندلاعها. ووفقاً لـلباحثة السياسية الألمانية «هيلجا زيب لاروش»، فإن ما يجرى فى أوكرانيا الآن هو «بث حى للحظات الأولى للحرب العالمية الثالثة». وتتابع «لاروش»: إن تورط الولايات المتحدة فى أوكرانيا يسبق بكثير تورط إدارة أوباما التى أدارت بشكل مباشر الانقلاب على الرئيس الأوكرانى الشرعى، فيكتور يانوكوفيتش، فقد أنفقت الولايات المتحدة ما بين 20 إلى 30 مليار دولار على مدى السنوات الـ23 عاماً الماضية لنسف العلاقات بين أوكرانيا وروسيا. ووفقاً لمستشار الرئيس بوتين الاقتصادى «سيرجى جلازييف» فإن الولايات المتحدة تنفق الآن أسبوعياً نحو 20 مليون دولار على دعم الانقلاب الذى تسانده مجموعة كبيرة من المنظمات النازية والقومية الأوكرانية المتطرفة يبلغ قوامها الأساسى نحو 10 آلاف تضم بعض البلطجية. تهدد اعتداءاته على السكان الروس باندلاع حرب أهلية. ووفقاً للكاتبة الألمانية: «فإن الأحداث الأخيرة تم تدبيرها بحيث تقود إلى تدخل موسكو عسكرياً فى أوكرانيا، ما يوفر ذريعة لواشنطن وحلفائها لمواجهة مع روسيا نفسها.
وإذا نجح هذا السيناريو الشيطانى فقد نكون على أعتاب حرب عالمية ثالثة». وتضيف فى مقال لها على موقع «Executive Intelligence Review» : «إن المخطط الأنجلو - أمريكى ليس جديداً، إذ يعود إلى تفاهم صاغه كل من الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب ورئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت تاتشر، فى أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، يقضى باتباع سياسة منهجية لحصار روسيا والصين، من خلال توسع حلف شمال الأطلسى والاتحاد الأوروبى شرقاً، والإطاحة بالنظم الصديقة لموسكو، حتى تتمكن كل من واشنطن ولندن من حكم العالم كإمبراطورية واحدة».
وباستثناء سنوات الرئيس بيل كلينتون الثمانى فى البيت الأبيض، كانت إدارات الولايات المتحدة المتتابعة مجرد دُمى فى يد الإنجليز: من أول جورج بوش الأب وحتى باراك أوباما، مروراً بجورج بوش الابن. تورط واشنطن فى أوكرانيا لم يكن مجرد استنتاجات وتحليلات سياسية، فقد تسربت مكالمة هاتفية بين مساعدة وزير الخارجية الأمريكية «فيكتوريا نولاند» والسفير الأمريكى فى كييف «جيوفرى بايت». وفى المكالمة التى تستمر لأربع دقائق ومتاحة الآن على موقع «يوتيوب» تعطى «نولاند» تعليماتها للسفير -فى بداية الأزمة- بضرورة تعيين زعيم المعارضة الأوكرانى «أرسينى ياتسينيوك» رئيساً جديداً للحكومة، واستبعاد المعارض «فيتالى كليتشكو»، الذى يحظى بدعم الاتحاد الأوروبى، وكيف يجب طبخ الأمر كله عن طريق الأمم المتحدة، مضيفة: «طظ فى الاتحاد الأوروبى»! وأوضح مستشار بوتين «سيرجى جلازييف»، فى وقت سابق، أن محاولة الانقلاب التى دعمتها واشنطن فى أوكرانيا «شكلت انتهاكاً صارخاً لمذكرة بودابست لعام 1994، التى تم التوقيع عليها بمناسبة تسليم أوكرانيا لترسانتها النووية السوفيتية إلى موسكو (فى أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتى).
وفى هذه المذكرة التزمت الولايات المتحدة وروسيا بالمسئولية المشتركة بالحفاظ على أمن وسيادة أوكرانيا. وبموجب هذا الاتفاق، فإن روسيا ملزمة بالتدخل فى أوكرانيا لأنها تعتبر تدخل الولايات المتحدة انتهاكاً واضحاً لهذا الاتفاق، وهذا ما حدث بالفعل ودفعت موسكو بجنودها إلى شبه جزيرة القرم. وما إن فعلت ذلك روسيا، التى تمارس حتى الآن أعلى درجات ضبط النفس، حتى اتهمها رئيس الحكومة الأوكرانية «أرسينى ياتسينيوك»، الموالى لواشنطن، بمحاولة إشعال الحرب العالمية الثالثة. وقال «ياتسينيوك» فى تصريحات أذيعت فى 25 أبريل الماضى: «محاولات إشعال صراع عسكرى فى أوكرانيا ستقود إلى صراع عسكرى فى أوروبا.. العالم لم ينس بعد الحرب العالمية الثانية، لكن روسيا تريد بالفعل إشعال الحرب العالمية الثالثة».
الآن يحتل الانفصاليون الموالون لروسيا المبانى الحكومية فى عشرات البلدات شرقى أوكرانيا، لشق عصا الطاعة عن الحكومة المركزية فى كييف، وترد الحكومة بضربهم بالدبابات والطائرات.. وتستخدم عناصر حركة «القطاع الأيمن» الأوكرانية القومية المتطرفة فى ارتكاب مذابح ضد الروس، منها ما عرف إعلامياً بمذبحة «أدويسا»، التى أحرق فيها نحو 50 روسياً. ويتهم الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، واشنطن بأنها المحرض الرئيسى للأحداث فى أوكرانيا. وفى تصريحاته لقناة «روسيا 24» قال عضو مجلس الدوما فياتشيسلاف نيكونوف: «من مصلحة واشنطن إلقاء المزيد من الزيت على نيران الأزمة فى أوكرانيا»، التى بدأت بخلاف بين شرق البلاد الراغبة فى الارتباط تجارياً وسياسياً بموسكو وغرب البلاد الراغب فى التوجه للاتحاد الأوروبى. ونقل «نيكونوف» عن مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق «زبجنيو برجينسكى» قوله: «تصاعد النزاع بين أوكرانيا وروسيا يخدم مصالح الولايات المتحدة التى لا تخفى سعيها لتحويل أوكرانيا لفيتنام بالنسبة لروسيا». أى حرب استنزاف لها. فى المقابل، يتهم الساسة الغربيون الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأنه «نيرون المجنون» الذى سيحرق العالم بتهوره، وشبهه وزير الخارجية التشيكى السابق «كاريل شفارتزنبرج» بـ«أدولف هتلر»، مؤكداً فى مقابلة مع صحيفة «أوسترايش» النمساوية أن «التاريخ يعيد نفسه فى أوكرانيا»، فما يفعله «بوتين» اليوم هو نفس ما فعله الزعيم الألمانى أدولف هتلر منذ 66 عاماً، عندما اجتاح النمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا فى عامى 1938 و1939، ما أدى لاندلاع الحرب العالمية الثانية.
صحيفة «ديلى إكسبريس» البريطانية رأت أن الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل فى 15 أبريل الماضى، وهو اليوم الذى شهد انتشاراً لقوات من حلف شمال الأطلسى فى منطقة البلقان لردع محاولات الروس اجتياح أوكرانيا، وقالت إن نشر هذه القوات يعادل اغتيال ولى عهد النمسا «فرانز فرديناند» وزوجته على يد صربى متطرف فى يونيو 1914، ما أدى لاندلاع الحرب العالمية الأولى. وتستبعد الصحيفة أن يتوقف بوتين عند شبه جزيرة القرم وإلا يكون كمن أطلق النار على نفسه فى القدم، وتوقعت أن يحاول التقدم لابتلاع مناطق أخرى من شرق أوكرانيا تتميز بنسب عالية من السكان الروس، مثل منطقة دونيتسك التى انتهى استفتاء أجراه أهلها بتصويت 95٪ لصالح الانفصال عن أوكرانيا.. وعبرت الصحيفة عن مخاوفها من أن تتجاوز طموحات بوتين أوكرانيا لدول البلطيق الأخرى -أستونيا ولاتفيا وليتوانيا- وهم أعضاء فى حلف شمال الاطلسى، الأمر الذى يثير احتمال اندلاع حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسى، يمكن أن تتطور لحرب نووية شاملة.
الكاتب البريطانى «إدوارد لوكاس» يؤمن بأننا «نشهد بداية الحرب العالمية الثالثة» ويعتقد أن الأزمة فى أوكرانيا لم تندلع بسبب انقسامات داخلية على أمور منها توقيع اتفاق للتجارة الحرة مع «بروكسل» أو «موسكو»، لأن السبب الحقيقى هو طموح الرئيس بوتين الإمبراطورى، فبوتين يرى أن انهيار الاتحاد السوفيتى كان «كارثة جيوسياسية» جردت روسيا من إمبراطوريتها ويجب تصحيح هذا الخطأ.. ويصف المؤلف البريطانى فى مقال له بصحيفة «ليتوانيا تريبيون» روسيا بأنها دولة «بلطجية ومارقة» تجلس على بوابة أوروبا وتخطط لفرض سيطرتها على دولها. ويعتقد مؤلف كتاب «الحرب الباردة الجديدة» أن سُحب الحرب العالمية الثالثة السوداء تتكاثف الآن فوق سماء أوكرانيا التى ستتحول إلى دولة فاشلة تعمها الفوضى بسبب تدخل موسكو فيها، وينصح الغرب بضرورة تحمل مسئولياته وردع روسيا اقتصادياً وعسكرياً الآن قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، أى إظهار «العين الحمراء» لبوتين. مساعد وزير الخزانة الأمريكى الأسبق «بول كريج روبرتس» يضيف بعداً آخر للصراع بين موسكو وبكين من ناحية وواشنطن وحلفائها من ناحية أخرى، وهو «الدولار». ويقول «روبرتس»: «لقد ضجت كل من روسيا والصين من استغلال واشنطن للدولار.. وهما يحاولان الآن فصل تجارتيهما الدولية عن الدولار. ومن الآن فصاعداً، ستقوم روسيا ببيع النفط والغاز الطبيعى إلى أوروبا بالروبل وعملات شركائها من دول البريكس. وهذا يعنى تراجعاً كبيراً فى الطلب على الدولار الأمريكى، وبالتالى يحدث انخفاض فى قيمته..
ويتابع: «الاقتصاد الأمريكى لم يتعافى بعد من الركود الذى أصابه فى عام 2008، وتعانى الغالبية العظمى من الأمريكان من توقف نمو الدخل منذ سنوات، ولأن الولايات المتحدة تعتمد الآن على الاستيراد، فأى انخفاض فى قيمة الدولار سيرفع الأسعار ويدفع مستويات المعيشة لمستويات متدنية». ويضيف فى مقال بعنوان «2014 عام التفكير فى الحرب العالمية الثالثة».. «هناك عاملان يضغطان الآن على الدولار؛ الأول هو عجز البنك الفيدرالى عن التلاعب بأسعار الذهب لحماية سعر الدولار، والأمر الثانى تهديدات أوباما الحمقاء بفرض عقوبات على روسيا».. ويوضح أن الأوروبيين لا يريدون حرباً مع روسيا بسبب الانقلاب الذى دبرته واشنطن فى كييف، الأوروبيون يدركون أن أى عقوبات حقيقية على روسيا، ستلحق بها أضراراً أكثر بكثير مما قد تعانى منه موسكو، كما أن لدى دول الاتحاد الأوروبى مشكلات اقتصادية كبيرة تجعلهم غير راغبين فى تحمل وطأة صراع سعت إليه واشنطن. ويضيف: «واشنطن تطلب من أوروبا الحرب والتضحية بينما روسيا والصين تعرضان عليها التجارة والصداقة.. فى الوقت الحالى تبذل واشنطن قصارى جهدها لشراء الساسة الأوروبيين لكن ثمن اتباع سياسات واشنطن باهظ جداً.
ويوضح الاقتصادى البارز أن الصين وروسيا، اللتين لم تعدا مستعدتين لتحمل استغلال واشنطن لسيطرتها على الدولار لإلحاق الضرر باقتصاديات خصومها، قبلتا على مضض تدمير ليبيا على الرغم من أنه أضر بمصالحهما، لكنهما لن يقبلا بضرب إيران هدف واشنطن التالى. لذلك قررت واشنطن، إثارة مشاكل كبيرة لروسيا فى أوكرانيا لإلهائها عن متابعة أجندة واشنطن فى مكان آخر.. أما الصين فما زال قادتها يفاضلون بين الاكتفاء بالفائض التجارى مع الولايات المتحدة والقلق من محاولاتها المستمرة لتطويقها بالقواعد العسكرية البحرية والجوية. لكنها توصلت إلى استنتاج مفاده أن واشنطن عدو مشترك لها ولروسيا. ويتابع: «والآن هناك احتمالان أولهما أن يتم التخلى عن الدولار الأمريكى فتنهار قيمته، وبالتالى ينتهى وضع الولايات المتحدة كقوة عظمى، أو تقود واشنطن أتباعها فى صراع عسكرى مع روسيا والصين، ستكون نتائجه أكثر تدميراً بكثير من انهيار الدولار».
ولا يستبعد المستشرق الأمريكى المعروف ريموند ستوك، أن يكون العالم فى طريقه فعلاً لحرب عالمية ثالثة، ويضيف لـ«الوطن»: بشكل أو بآخر بدأت مخاوفى من تطور الأحداث فى مصر، فرفض الرئيس الأمريكى أوباما إطاحة الجيش المصرى بالرئيس السابق محمد مرسى، دفع مصر نحو روسيا، ما يعرض للخطر تحالف «القاهرة - واشنطن» الذى كان المفتاح لحفظ السلام فى المنطقة لأكثر من ثلاثين عاماً. تخبط أوباما فى مصر، وخوفه من الحفاظ على خطوط أمريكا الحمراء فى سوريا، خصوصاً عند استخدام الأسلحة الكيماوية شجع الرئيس الروسى بوتين على التدخل عسكرياً فى أوكرانيا والاستيلاء على شبه جزيرة القرم.
ويتابع المحلل البارز بمنتدى الشرق الأوسط الأمريكى: بوتين عازم على أن يذهب بعيداً فى محاولته السيطرة على شرق وجنوب أوكرانيا ثم إلى دول البلطيق الأخرى، بحجة حماية العرق الروسى فى هذه الدول، الذين لا يواجهون فى الواقع أى خطر. وإذا ذهب بوتين إلى دول البلطيق -أستونيا ولاتفيا وليتوانيا- وهم أعضاء فى حلف شمال الأطلسى، سيجبرنا على حرب معه. وإذا فعلنا ذلك، فلا يمكن أن يضمن أحد ألا تتحول المواجهة لحرب نووية. ويضيف: بوتين ليس رجلاً مجنوناً، ويُجرى حساباته بشكل جيد وإذا كبدناه ثمناً اقتصادياً عالياً مع إظهار استعداد عسكرى جاد لردعه سنكون قادرين على التصدى له، ولكن هذا أمر مشكوك فيه جداً، طالما أن أوباما هو من يقود الولايات المتحدة. وبعيداً عن هذه الأزمة، يتابع «ستوك»، الذى يحمل شهادة الدكتوراه فى لغات وحضارات الشرق الأدنى من جامعة بنسلفانيا، لدينا مشكلة كوريا الشمالية، التى يحكمها ديكتاتور غريب الأطوار يمتلك أسلحة نووية -كيم جونج- وصواريخ تمكنه من ضرب عمق الأراضى الأمريكية. وإذا ردت الولايات المتحدة، فإن الصين، راعى كوريا الشمالية وحاميها، قد تضربنا دفاعاً عن حليفها فى بيونج يانج. وأوباما «الخرع» وسوء تقديراته فى الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية شجعت بكين على التنمر على جيرانها بالتوسع بقوة فى نشر أساطيلها البحرية والجوية للسيطرة على بحر الصين الجنوبى، ما دفع اليابان القلقة أيضاً من كوريا الشمالية، للتفكير الآن فى الحصول على أسلحة نووية. والأخطر من كل ذلك مشكلة إيران النووية، فإذا حصلت إيران على أسلحة نووية، الأمر الذى يبدو لا مفر منه الآن، فمن المرجح أن تندلع حرب نووية فى الشرق الأوسط فى وقت ما فى المستقبل، سواء نتيجة قرار، أو خطأ ما، وإذا حدث ذلك، ستكون النتائج، بالتأكيد، كارثية، فسوف تمحو إسرائيل وفلسطين وإيران من الوجود. وكلما زاد عدد البلدان التى تمتلك أسلحة نووية يزيد معها حجم الدمار فى المنطقة. وسيلقى ملايين من البشر حتفهم.
ويؤكد ستوك أن ما يقوله ليس توقعات ولكنها «أسوأ السيناريوهات» التى يجب أن يعمل الجميع على تجنبها. وفى حين يعتقد البعض أن أزمة أوكرانيا هى الشرارة الأولى للحرب العالمية، فإن البعض الآخر يعتقد أن الشرارة الأولى انطلقت من منطقة الشرق الأوسط، لكنهم يختلفون على تحديد تاريخها، فالبعض يعتقد أن مارس 2011 (تاريخ انتفاضة سوريا البريئة التى تحولت لحرب أهلية ستنتهى على وجه اليقين بنهاية دولة سوريا التى عرفناها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى) هو البداية استناداً إلى حالة الاستقطاب الدولى التى خلقها الصراع فى سوريا. ويعتقد آخرون أن الحرب بدأت فعلياً فى مايو 2006 عندما ضربت إسرائيل، بمباركة غربية كاملة، لبنان استناداً إلى إعلان واشنطن وتل أبيب وقتها أن هذه الضربة تمهد لميلاد الشرق الأوسط الجديد. ووفقاً لدراسة لمركز «الدراسات الدولية» فإن غزو العراق كان البداية الفعلية للحرب، وتوقع فى 2006 أن تشتعل الحرب عندما تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بمهاجمة إيران بعد التخلص من سوريا، وهو ما يحدث الآن على الأرض. وفى كل الأحوال، فإن تحديد بدايات الحروب غالباً ما يكون أمراً صعباً. وعلى سبيل المثال، يعتقد بعض المؤرخين أن الحرب العالمية الثانية بدأت فى عام 1939 مع الغزو الألمانى لبولندا. وآخرون يقولون إن غزو اليابان لمنشوريا 1931 كان البداية، ويؤمن آخرون أن حريقاً فى مبنى البوندستاج (مقر البرلمان الألمانى) فى عام 1933 كان البداية الفعلية للحرب. كلام المركز البحثى يتطابق مع نبوءة قديمة لأحد مؤسسى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، مايلز كوبلاند، الذى توقع فى عام 1989 أن تبدأ الحرب العالمية الثالثة عندما تُورط روسيا الولايات المتحدة وإسرائيل فى حرب مع العالم الإسلامى، وقال نصاً فى كتابه «صانع ألعاب.. اعترافات عميل الاستخبارات المركزية الحقيقى»: «لن نستطيع حتى بمساعدة الإسرائيليين -أو بالأحرى بسبب مساعدة الإسرائيليين- هزيمة الإيرانيين، والعرب، والعالم الإسلامى، أى العالم الثالث كله، إذا انقلب علينا. نحن وكالة المخابرات المركزية لدينا سبب للاعتقاد بأن صناع الاستراتيجيات الروس يفهمون ذلك جيداً، والحرب العالمية الثالثة التى يتصورونها ستبدأ عندما نتورط فى حرب ضد قوى غير محددة الملامح فى دول العالم الثالث، تقف فيها روسيا ظاهرياً على الحياد.
وحسب المعلومات المتاحة بسهولة للحكومة الأمريكية ودون اللجوء إلى التجسس، فإن روسيا قد أوضحت بما فيه الكفاية أن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ عندما تضطر الولايات المتحدة للدخول فى مجموعة من المواجهات للعب دور القوة العظمى ولكن، كما سيرى العالم على شاشات التليفزيون، فإنها فى واقع الأمر، ستكون دولة تكون عاجزة ومستنزفة». ويتفق رئيس المخابرات الباكستانى الأسبق، الجنرال حميد جول، مع «كوبلاند» فى أن التوتر الذى يتصاعد فى المنطقة قد يشعل الحرب العالمية الثالثة. وقال فى حوار تليفزيونى فى أكتوبر 2010 تداولته كثير من الموقع مضمونه «إسرائيل مصرة على استدراج الولايات المتحدة فى حرب واسعة بضرب إيران، وإذا وجهت تل أبيب ضربات إلى طهران، فإن المنطقة ستشتعل وتتورط أمريكا وقد يتحول الصراع وقتها لحرب عالمية ثالثة، تنضم إليها روسيا والصين وهذا هو الجحيم الذى سيلتهم كل شىء».
«جول» وضع سيناريو آخر للحرب العالمية الثالثة وهو الضغط الشديد على باكستان الملتهبة ما قد يدعوها لإعلان الجهاد -فى إطار صراعها مع الهند- وإذا حدث هذا، فسيلبى النداء جهاديون من كل مكان، ما قد يغير تاريخ العالم. وفى هذه الحالة ستتورط واشنطن فى «حرب ضد قوى غير محددة الملامح فى دول العالم الثالث»، وتتحقق توقعات «مايلز كوبلاند». ويعتقد حميد جول أن واشنطن ليست إلا «عملاقاً تقوده المخابرات البريطانية والإسرائيلية والهندية من أنفه.. ويعتمد بشكل كبير على مقاولى الحروب (شركات الأمن الخاصة) سواء فى العمليات العسكرية وفى المعلومات الاستخباراتية وهذه الشركات لديها حافز كبير لتوسيع دوائر الحروب لتحقيق المزيد من الأرباح».
فى كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى: التفوق الأمريكى وضروراته الجيواستراتيجية»، أكد مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، زبيجنيو بريجنسكى، أن «الشرق الأوسط الجديد أداة للسيطرة على منطقة القوقاز ( جورجيا وجمهورية أذربيجان، وأرمينيا ) وآسيا الوسطى ( كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأفغانستان ) وإلى حد ما إيران وتركيا. ولذلك فإن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على النحو الذى يتم الآن هو ضرورة لخدمة المشروع الأمريكى فى السيطرة على العالم وتطويق منافسيها الأكبر وهما الصين وروسيا. وهذان لا يمكن احتواؤهما إلا بالسيطرة العسكرية على منطقة الشرق الأوسط والسيطرة لن تتحقق إلا بسحق ما كان يسمى بدول الممانعة التى تصادف أنها تمثل الهلال الشيعى ( إيران وسوريا وحزب الله اللبنانى ).
ويشرح المفكر المصرى البارز الدكتور سمير أمين المشروع الأمريكى على النحو التالى «مشروع الولايات المتحدة، هو أن تقيم سيطرة عسكرية فوق كامل الكوكب. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من السيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط التى تلعب حجر الزاوية فى هذا المشروع لأربعة أسباب؛ أولها وفرة النفط، وثانيها وقوع المنطقة على تقاطع الطرق فى العالم القديم، ما يتيح لأمريكا تهديد الصين -منافسها الأبرز مستقبلاً. وثالثها ضعف بلدان المنطقة مما يُسهل السيطرة عليها. ورابعها وجود إسرائيل، الحليف الأبدى لواشنطن، فى المنطقة. وفى إطار هذا المشروع نستطيع أن نفهم أحداثاً كثيرة منها ضرب العراق وأفغانستان فى 2001 والتربص بإيران. فالعدوان على هذه الدول يأتى فى إطار استراتيجية أمريكا الراغبة فى السيطرة الكاملة على المنطقة لاحتواء الصين بالدرجة الأولى والهند وروسيا بالدرجة الثانية. والصين مدركة لهذا، وتعلم -مثلاً- أن الوجود الكثيف فى أفغانستان ومحاولة تفتيت سوريا الآن يستهدفها مستقبلاً، ولذلك عارضت التدخل العسكرى فى سوريا تماماً مثل روسيا». وجماعة الإخوان وحلفاؤها من جماعات الإسلام السياسى جزء من المشروع الأمريكى، فقد عولت واشنطن على صعود الإخوان فى مصر ليُكونوا مع قطر وتركيا محوراً سنياً فى مواجهة دول الهلال الشيعية.
وفى هذا السياق نستطيع أن نفهم قرار الرئيس السابق محمد مرسى الصادم بقطع العلاقات مع سوريا وفتح باب الجهاد هناك فى يونيو الماضى. لكن سقوط نظام الإخوان مثّل مفاجأة غير سارة لواشنطن التى ما زالت تسعى لمخططها الذى رسمه صناع القرار هناك منذ سنوات بعيدة.. ويوضح السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق «أن تمكين الإخوان مرتبط بمخطط كبير وضعته وكالة المخابرات الأمريكية CIA أثناء حكم الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الأب، واطلع عليه الرئيس الحالى باراك أوباما فى جلسة سرية فى ديسمبر 2008، قبل أن يدخل البيت الأبيض. ويهدف هذا المخطط لتغيير عدد من الأنظمة فى منطقة الشرق الأوسط تحت إشراف المخابرات الأمريكية، لتطمئن واشنطن أن السلطة ستنتقل من جيل رؤساء مثل حسنى مبارك، وبشار الأسد، إلى جيل آخر تأمن فيه الولايات المتحدة على مصالحها فى المنطقة.
وأشار إلى أن جوهر هذا التغيير الذى بدأ مع ثورات الربيع العربى يتمثل فى تهيئة المنطقة لقيام دولة إسرائيل الكبرى، وشرعنة استيلائها على الأراضى العربية بتمكين قيادات تقبل بهذا العرض الذى لم يكن من الممكن أن يقبل به الجيل الذى أطيح به مثل مبارك. وتابع: «الإخوان قبلوا بهذا المخطط فى إطار صفقة فحواها تمكينهم من بناء مشروعهم الإسلامى فى هذين البلدين المحوريين ( مصر وسوريا ) فى مقابل دولة يهودية على أساس دينى أيضاً». ومع تعافى الدب الروسى وتقاربه المقلق من العملاق الصينى، سارعت واشنطن فى تنفيذ مخططاتها التى تقضى بتفتيت منطقة الشرق الأوسط لإحكام سيطرتها عليها، وهو ما يتضح الآن فى محاولة تقسيم اليمن والإجهاز على سوريا ولبنان وقبلهما العراق. هدف تحويل كل دول المنطقة إلى كانتونات صغيرة يتحقق بالفعل، وتسللت للخريطة السياسية العربية أسماء دويلات جديدة فرضت نفسها على الواقع السياسى المستقر منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مثل دويلة حماس فى غزة، ودويلة فتح فى الضفة الغربية، ودويلة حزب الله الشيعى فى جنوب لبنان.
ووفقاً لرئيس تحرير «ذا ويكلى ستنادرد»، لى سميث، فإن خطأ الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا) هى أنها لم تقسم الشرق الأوسط بما فيه الكفاية، أى أن الحدود التى رسمتها فى اتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916 بعد نهاية الحرب العالمية لم تأخذ فى اعتبارها الخلافات الطائفية والقبلية والعرقية فى المنطقة، وبالتالى قد نشهد ظهور دويلات وكانتونات مستقلة أو شبه مستقلة أصغر، خصوصاً فى سوريا والعراق. ومهمة الحرب المقبلة أن تنجز ما بدأته «سايكس بيكو» وتصلح مساوئها. ويرى «سميث» أن العالم العربى الآن بعد ثورات الربيع العربى، يعود إلى ما كان عليه تحت حكم العثمانيين. خبيرة الشئون الروسية الدكتورة نورهان الشيخ، ترى أن الحرب الأهلية الدائرة الآن بين الروس والأوكران تحولت إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، وارتكبت فيها فظائع تصل إلى حد التطهير العرقى من جانب السلطات الأوكرانية وحلفائها من الجماعات القومية المتطرفة ضد المواطنين الروس. وتضيف أن بوتين يتعرض لضغوط هائلة من جانب المواطنين الروس فى شرق أوكرانيا الذين يطالبونه بالتدخل لحمايتهم، ومن جانب كل الأحزاب داخل البرلمان الروسى الذين يدفعون أيضاً باتجاه التدخل، خصوصاً أن البرلمان منحه فى وقت سابق تفويضاً بالتدخل العسكرى إذا لزم الأمر، لكنه يمارس أقصى درجات ضبط النفس فى مواجهة موقف أمريكى يتصف بعدم المسئولية.
وترى «الشيخ» أن الولايات المتحدة كعادتها تسىء تقدير المواقف وتشعل صراعات لا تستطيع التحكم فى مسارها. ورغم قناعتها بأن الخيار العسكرى انتحار لروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة لكنه ليس مستبعداً تماماً مع التصعيد المستمر من جانب واشنطن؛ لأن أكبر النار من مستصغر الشرر، الذى قد ينطلق عن عمد أو خطأ كأن تهاجم القوات الأوكرانية بعض وحدات الجيش الروسى ما يدفعها للرد، فتتدخل قوات الناتو، فتبدأ حرب، وتضيف «الشيخ» أن حرباً مباشرة بين روسيا وأمريكا تصبح احتمالاً أكيداً إذا دخلت قوات الناتو لأوكرانيا، لكنها تؤكد أن الخوف الآن أن تتحول أوكرانيا إلى يوغسلافيا جديدة، أى حرب طاحنة تؤدى لتقسيمها. وقد أدرك الأوروبيون ذلك الخطر فبدأوا يظهرون مرونة أكبر، ودعا زير الخارجية الفرنسى، على سبيل المثال، مؤخراً، لتفهم بعض مطالب الروس فى أوكرانيا ورفض الاتحاد الأوروبى توقيع مزيد من العقوبات على روسيا.
عدد آخر من الخبراء يستبعد اندلاع حرب عالمية الآن ، لكنهم يرون ما يجرى فى أوروبا والشرق الأوسط تجدداً للحرب الباردة. وأن العالم عاد من جديد ليتحول إلى رقعة شطرنج يتنافس على تحريك قطعها حلف الأنجلو - أمريكى من جانب، وموسكو وبكين من جانب آخر. وهو ما قد يقود فى نهاية المطاف إلى حرب ساخنة، لكن ليس فى المستقبل المنظور. ووفقاً لأستاذ التاريخ المعاصر، الدكتور عاصم الدسوقى، فإن الحديث الآن عن حرب عالمية ثالثة مبالغ فيه؛ لأن الحرب المقبلة ستكون أطرافها قوى نووية، وقيام حرب يعنى نهاية العالم، لكنه يقر بأن ما يحدث تجدد للحرب الباردة التى بدأت فى عام 1947، وأن ما يجرى فى أوكرانيا هو محاولة أمريكية للقضاء على صحوة روسيا ومحاصرة الصين. وأن الحرب ستبدأ حقيقة عندما تفكر أمريكا فى ضرب إيران؛ لأن هذا يعنى أن واشنطن باتت على حدود الصين وورسيا فعلياً. وأمريكا ترغب فى ذلك، لكن ما يؤجل هذه الضربة ليس فقط خوفها من رد فعل موسكو وبكين، ولكن إدراك واشنطن أن إيران قوة نووية بالفعل منذ عام 1959، وهو العام الذى قامت فيه واشنطن بنقل محطتها النووية من بغداد بعد انسحابها من حلف بغداد، الذى تأسس فى فبراير 1954، لمحاصرة روسيا.. وظلت هذه المحطة تعمل طوال حكم الشاه وحتى عام 1979، وعندما قامت الثورة لم تستطع واشنطن استردادها وكانت هذه المحطة هى نواة المشروع النووى الحالى.
ويتابع المؤرخ البارز: «ما يجرى بالمنطقة وفى شرق أوروبا هو تطبيق لما يعرف بالنظام العالمى الجديد الذى أطلقه الرئيس جورج بوش، وأحد أهم ملامحه السيطرة على العالم بتفتيت الدول القومية إلى كيانات صغيرة على أسس دينية وطائفية وعرقية، كما حدث فى إندونيسيا عندما سلخوا منها تيمور الشرقية بدعوى حماية الأقباط هناك، واستناداً إلى الخطاب الطائفى للرئيس الإسلامى الأسبق «عبدالرحمن واحد»، ومحاولة تقسيم نيجيريا إلى 3 دول وذلك بدعم جماعة «بوكو حرام» المتطرفة، ونجح هذا المخطط فى تقسيم السودان بعد تشجيع نظام البشير الإخوانى حتى يخلقوا مناخاً طائفياً يعطيهم الذريعة بفصل الشمال عن الجنوب وهو ما حدث. ووفقاً لـ«الدسوقى» فإن أحد أسباب حماس واشنطن لدعم الرئيس المعزول محمد مرسى كان قناعتها أنه سوف يعزز المناخ الطائفى ما يمهد الطريق لتفتيت وحدة مصر أيضاً. ويتفق أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق، مع «الدسوقى»، ويقول إن موسكو ستتصدى بقوة لمحاولات الغرب ضم أوكرانيا للناتو، لكنه يستبعد أن يصل الأمر لحرب عالمية لأن «احتمالات الحرب بين الدول النووية انتهت فى اليوم الذى شهد ضرب الأمريكان لمدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين.. الحرب ستتم بالوكالة عن الدول النووية».
ما يقوله «أبوالغيط» وكثير من المسئولين والدبلوماسيين الذين يستبعدون اندلاع حرب عالمية ثالثة، هو بالضبط ما كان يعتقده قادة العالم قبيل الحرب العالمية الأولى. فى 21 ديسمبر الماضى، جاءت افتتاحية مجلة الإيكونومست البريطانية الرصينة لتحذر من الثقة المفرطة فى عدم إمكانية اندلاع حرب كونية..وتؤكد أن هذا الشعور ساد العالم فى بداية عام 1914 الذى بلغت فيه العولمة مداها باختراع التليفون والسفن البخارية والقطارات.. واستسلم فيه السياسيون لأفكار كـ«نورمان أنجيل»، الذى كان يؤكد أن اقتصادات أوروبا متداخلة ومتكاملة بشكل يحول دون اندلاع أى حرب. لكن الحرب اندلعت وراح ضحيتها 9 ملايين وأضعاف هذا الرقم إذا أخذت فى الاعتبار المآسى الأخرى التى ترتبت على هذه الحرب، مثل إنشاء روسيا السوفيتية، وإعادة رسم حدود الشرق الأوسط، وصعود هتلر. ووفقاً لـ«الإيكونومست» فإن صناع القرار فى لندن وباريس وغيرهما من عواصم العالم لم يتوقعوا أبداً أن تؤدى تصرفات ألمانيا إلى حرب لأنها كانت أكبر الشركاء التجاريين للندن بعد أمريكا، وبالتالى ليس هناك أى منطق وراء الصراع الاقتصادى، وترى «الإيكونومست» أن أوجه التشابه بين 1914 و2014 مثيرة للقلق. فالولايات المتحدة تشبه بريطانيا عام 1914، كقوة عظمى متداعية وعاجزة عن حفظ الأمن العالمى، وشريكها التجارى الرئيسى، الصين، تلعب دور ألمانيا، فهى قوة اقتصادية جديدة وهائلة تركز على دعم قدراتها العسكرية وتتسم بكثير من مشاعر الغضب القومى. واليابان الحديثة هى فرنسا منذ 100، خائرة القوة. لكن التشابه الأكثر إثارة للقلق بين العامين هو الغفلة. فرجال الأعمال اليوم مثل رجال الأعمال فى 2014: كانوا وما زالوا منكبين على جمع الأرباح بأى وسيلة ذاهلين عن أجراس الإنذار، والساسة يلهبون الآن، كما كانوا يفعلون قبل 100 عام، مشاعر التعصب القومى.
فقادة الصين يثيرون فوبيا الخوف من اليابان، ورئيس وزراء اليابان «شينزو آبى»، ينفخ فى النزعة القومية اليابانية الكارهة للصينيين. وفى الهند صعد مؤخراً نجم «نارندرا مودى»، وهو قومى هندوسى متعصب، قد تؤدى سياساته لنشوب نزاع نووى مع باكستان. وفلاديمير بوتين ينفخ من روحه فى أحلام الروس بعودة إمبراطوريتهم، والاتحاد الأوروبى يشهد تصاعداً لتوجهات قومية أكثر من أى وقت مضى منذ تأسيسه. وتتهم المجلة أوباما بالجهل بالتاريخ والإهمال، لأنه تقاعس عن محاولة إدماج القوى الناشئة مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل والصين فى النظام العالمى، ما قد يغرى هذه القوى الإقليمية بتجريب قوتها ضد أحد جيرانها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق