وصف الكاتب والمفكر السياسي الأمريكي ناعوم تشومسكي – في حوار له مع الصحفي مايكل بروننج نشر بموقع Social Europe – وصف ثورات الربيع العربي بأنها تشهد تراجعًا كبيرًا على صعيد المكتسبات بعد أن كانت تمضي قدمًا نحو الامام, منتقدًا دور بعض الأنظمة والتي وصفها بأنظمة النفط الديكتاتورية بتقويض جهود الإصلاح وخاصة المعتدلة منها، على حد قوله.
واستعرض تشومسكي ما آلت إليه الأوضاع في دول الربيع العربي؛ فسوريا تندفع نحو مزيد من القتل والانقسام, واليمن تئن تحت وقع الحملات الإرهابية, وبينما تفتقد ليبيا لحكومة قادرة عل السيطرة على المليشيات نجد أن تونس أصبحت في طي النسيان, ناهيك عن ما آلت إليه الأمور في مصر التي شهدت سياسات وحشية من قبل العسكريين في محاولة منهم لاستعادة إمبراطوريتهم السياسية والاقتصادية متكئين على شعبية زائفة كما يراها تشومسكي، بالإضافة إلى ما يعتري المشهد العراقي من صراع بين السنة والشيعة بتحريض من الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولم يفت تشومسكي الإشارة إلى كل من الصحراء الغربية وفلسطين اللتين اعتبرهما بمثابة مستعمرتين في العالم العربي, ففي الوقت الذي تم فيه قمع المظاهرات المطالبة بالديمقراطية من قبل الصحراويين في عام 2010, تقع فلسطين تحت طائلة الشروط المسبقة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن مفاوضات السلام التي تشرف عليها الولايات المتحدة بتحيز تام لإسرائيل وفي ذات الوقت الذي أعاقت فيه جهود المجتمع الدولي لإقرار تسوية سياسية منذ عام 1976 متكئة في ذلك على حق الفيتو الذي تتمتع به في مجلس الأمن.
وأشار تشومسكي أيضًا – في حواره – إلى أن ثورات الربيع العربي كانت بمثابة التطور التاريخي الذي اعتبرته بعض القوى تهديدًا لمصالحها ما حدا بها أن تقف كحجر عثرة أمام المُضيّ قُدُمًا نحو تمكين المسار الديمقراطي المأمول.
وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي إزاء الربيع العربي والذي تراوح بين التدخل العسكري في بعض الأوقات وعدم التدخل في أوقات أخرى كما في دول الخليج, أوضح تشومسكي أن القوى الغربية دائمًا ما تمضي في دعمها لحلفائها الديكتاتوريين بقدر ما تستطيع حتى تصل الأمور إلى نقطة لا يمكن استمرار الدعم بها إما لمستجدات عسكرية أو سياسية ومن ثم إزاحتهم ثم التغني بالديمقراطية ثم ما تلبث أن تسعى نحو استعادة حليفها من جديد، وهو ما تكرر كثيرًا مع حالات مثل سوهارتو وموبوتو وماركوس.
وعن ماهية الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الغربية لرأب الصدع في العلاقة بين القوى العلمانية والدينية في منطقة الشرق الأوسط, استبعد تشومسكي فرضية أن تقوم الدول الغربية بأدوار بناءة في هذا الصدد مستندًا على الخلفية التاريخية والسياسية إلا بالقدر الذي يتوافق مع المصالح الغربية، مضيفًا بأن الولايات المتحدة وبريطانيا قد دعمتا القوى الإسلامية الراديكالية – على حد وصفه – في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أكثر الأنظمة الراديكالية بحسب تشومسكي باعتبارها الوجة المقابل للقومية العلمانية.
وأضاف تشومسكي أنه وبالرغم من أن هناك ثمة دراسات علمية أمريكية متميزة تتعلق بتعزيز الديمقراطية, إلا أن كثيرًا من دعاة تلك الديمقراطية قد أقروا من جانبهم بأن الحكومات تسعى من جانبها إلى دعم المسار الديمقراطي بقدر ما يتماهى مع مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية, مؤكدًا على أن الدور الذي يتوجب على تلك الحكومات الغربية أن تلعبه هو دعم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية.
وأخيرًا رأى تشومسكي أن أحد العواقب الوخيمة التي خلفها الغزو الأمريكي البريطاني للعراق هو إشعال فتيل الصراع بين السنة والشيعة الذي أفضى إلى تمزيق الدولة العراقية ناهيك عن عواقب تلك الفتنة على المنطقة بأسرها, مستدعيًا أحكام محكمة نورنبرج التي تمثل أحد أسس القانون الدولي المعاصر والتي عرّفت العدوان باعتباره الجريمة الدولية العظمي التي تشمل كل أنواع الشرور ومنها الصراعات الطائفية، ومستشهدًا بأقوال القاضى روبرت جاكسون في محاكمات نورنبرج؛ حيث قال: “إننا بصدد تقديم كأس مسمومة للمتهمين ولذا يجب أن يشرب من ذات الكأس كل من سيرتكب أفعالأ مشابهة وإلا فستكون المحاكمات هزلية لا تعدو كونها عدالة المنتصرين”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق