الجمعة، 30 أكتوبر 2015

" العملية هيىــبرون (Operation Hebron (2/1 "



" العملية هيىــبرون (Operation Hebron (2/1 "
{ نسيج روائي فريد..
سداه التخطيط السياسي الموغل في البعد،
ولحمته التنفيذ الأمني البالغ الدهاء..
رائع هذا الكتاب الذي بين أيدينا!! }

هو من حيث صياغته، رواية أدبية، تكاتف في تأليفها خيال خصب وقلم مبدع، فجاءت (رواية) لمن يبحثون عن الأدب الروائي الرفيع.. وهو من حيث موضوعه، تحليل بالغ الجرأة والواقعيّة لقضية من أخطر القضايا السياسية التي تشغل بال المهتمين بالعمل السياسي في مناطق كثيرة من العالم، وفي مقدمتها العالمان العربي والإسلامي، ألا وهي قضية (إسرائيل) وارتباطها المصيري بالبيت الأبيض في واشنطن.. وهو من حيث ما يتلقفه العقل من السطور، ومما بينها، من توجيهات وإرشادات، أقرب إلى كونه كتاباً تعليمياً في فن العمل السياسي المعاصر).. فكيف تأتى كل هذا لـ(كاتب) لم يصدر له قبل هذه الـ(رواية) كتاب؟! ولماذا كتبها؟..
لمعرفة الإجابة لابدّ من معرفة المزيد عن الكاتب قبل الإيغال في عمق الكتاب ..
فمن هو المؤلف؟

إنه إريك جوردان رجل المخابرات المركزية الأمريكية الذي عمل في منطقة الشرق الأوسط قرابة ربع قرن، خدم بلاده خلالها في دول كثيرة منها ليبيا ولبنان وإيران و(إسرائيل)، ثم تنقّل، وهو يمارس مهنته هذه، في عدد من دول أوروبا وأفريقيا، وبعدها انتقل إلى واشنطن، ليصبح ضابط اتصال مهتم بعمليات الشرق الأوسط في مكتب الاستخبارات الأمريكية لسنوات عدة ، قبل أن يصبح مستشاراً للرئيس الأمريكي رونالد ريجان فيما يخص العمليات الإرهابية. في أوائل الثمانينيّات أحيل جوردان على التقاعد، ثم اتجه بعد تقاعده إلى العمل التجاري. ومازالت تجاراته في منطقة عمله السابق قائمة حتى اليوم.. وليس مستبعداً أن يكون جوردان ما يزال على صلة بالمخابرات الأمريكية، فالعمل المخابراتي والعمل التجاري مرتبطان، كما تُظهر الرواية، ارتباطاً وثيقاً..
هذه هي التفاصيل المتوافرة عن الكاتب، مأخوذة من مقدمة كتابه.

والآن جاء دور الكتاب ..

بين أيدينا ترجمة باللغة العربية تقع في 288 صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت عن دار الهلال- القاهرة في العام 2001 ، ومن ترجمة شاكر عبد الفتاح، أما الكتاب الأصل فقد صدر باللغة الإنكليزية في العام 2000
تتوزع الرواية على خمسة وعشرين فصلاً، وأوّل تلك الفصول هو نهاية الرواية. وهذا فن في الكتابة الروائية معروف، يقدم فيه الكاتبُ (خاتمةَ المطاف) من عمله غائمة مبهمة، ثم يعود بالقارئ إلى البدايات الأولى ليسير به في متاهات الرواية ، وهو -القارئ- يتوق شوقاً للوصول إلى تلك الخاتمة الغريبة التي عرفها، ويريد أن يعرف كيف صارت الأمور إليها..

في الفصل الأول من رواية (هيبرون) يقف القارئ أمام جريمة قتل غامضة لثلاثة أشخاص تتم ليلة السابع من تشرين الثاني (ليلة انتخاب الرئيس الأمريكي)، في مكان ما في العاصمة الأمريكية واشنطن.. شخص يهرب من مكان الجريمة ، وآخر يسمع صوت إطلاق النار فيندفع بأقصى سرعته إلى حيث انطلق الدويّ، وهناك يكاد قلبه يتوقف!. يركع على ركبتيه، ويجسّ نبض أحدهم فيجده قد مات، ثم ينظر إلى الآخَرين فلا يرى فيهما أثراً يدلّ على حياة.. يُخرج الرجل هاتفه النقّال ويتصل بسفارته، وقبل أن يأتيه الرد تلمح عينه قصاصة ورق مطوية بجوار راحة يد القتيل الذي جس نبضه (رئيسه). يرفع الورقة ويقرأها فلا يفهم ما فيها، ولكنه يدسها في جيبه. ثم يجيئه الرد مبحوحاً: "آبي ..انتظر حيث أنت، إننا نتصل بالشرطة الآن، عد إلى السفارة فور وصولهم.. لا تقل لهم شيئاً.. تذكّر أنك تتمتع بالحصانة الدبلوماسيّة..".

وبعد لحظات تبدأ الحركة المحمومة.. يتصل قسم الشرطة بمكتب التحقيقات الفيدرالي يخبرهم عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم دبلوماسي..تستدعي المحققة (بريندا شتراوس) فريق عملها وتنطلق بهم بسرعة غير عاديّة.. يصر الدبلوماسي الواقف على الصمت معلناً عن عدم معرفته بشيء، ومؤكداً على حصانته الدبلوماسية. الدبلوماسي القتيل كانت إصابته في قلبه وبهذا فقد عُرف من ملامحه أما الآخران فإن أحدهما قد أصيب بطلقة متفجرة في وجهه فضاعت ملامحه، والآخر مجهول .. تقرأ المحققة شتراوس بطاقة الرجل المشوّه الوجه فتشهق شهقة تدل على صدمة مذهلة: يا إلهي!!.. ثم تصدر أوامرها لرجالها: " جاك.. اتصل بالبيت الأبيض من هاتف السيارة المؤمن.. قل لهم أن يرسلوا رجال الخدمة السرية إلى هنا على الفور. وأنت يا فورد..أبعد الجميع عن الجثث إلى أن يصل رجال الخدمة السرية.. إنني أعني الجميع.. طوق الطابق بأكمله". ولم يتأخر رجال الخدمة السرّية كثيراً.

بعد ساعات من وقوع تلك الجريمة، كان قائد الطائرة التي تحلق فوق الأطلسي يتمنى لركابه رحلة سعيدة.. وفجأة، تفجّرت الأخبار التي لا يمكن تصديقها والواردة من أمريكا إلى كابينة القيادة عبر اللاسلكي.. بين الركاب الذين أفزعهم الخبر، كانت هناك راكبة صربية حسناء تحمل جواز سفر نمساوياً، أذهلها أن تعرف القتيل الثالث ، ولكنها لم تكن تعرف أنها أفسدت أخطر المؤامرات السياسية التي لا يمكن لأي جهاز استخبارات أن يتجرأ على مثلها، والتي أطلق عليها مخططوها اسم (هيبرون) الذي يعني اسم مدينة الخليل في الضفة الغربية..
هذه هي الخاتمة المبهمة للأحداث كما جاءت في الفصل الأوّل من الرواية.

الفصل الثاني هو أهم وأخطر ما في الرواية كلها، رغم أن أحداثه تجري في مكتب فخم ومزرعة غنّاء، حيث الأنخاب بدل الدماء، والحوارات الهادئة عوضاً عن إطلاق الرصاص وزعيق السيارات. ولخطورة هذا الفصل، الذي لا يشغل في ( الرواية) إلا صفحات قلائل، فإنه سوف يأخذ حيّزاً أكبر مما يأخذه غيره من الفصول في هذا العرض. كان ذلك في الحادي عشر من نيسان، أي قبل بضعة أشهر من وقوع الجريمة المروّعة في واشنطن. رئيس الوزراء الإسرائيلي (أهارون ايشيل) يجلس وراء مكتبه في مدينة القدس، وهو غارق في تفكير عميق. ضوء أزرق ينبعث من هاتفه الخاص، فيقطع عليه تفكيره.. لحظات من تشتت الذهن ثم يرفع سماعة الهاتف ليأتيه صوت (بنيامين شتيرن) مدير الموساد. كان صوت شتيرن حاداً وقلقاً.

إنه يتحدث عن (المزيد من الأخبار السيئة)، فالأمريكيون مستاءون لأن الإسرائيليين يضعون العراقيل أمام التسوية النهائية مع السلطة الفلسطينية، والرئيس الأمريكي سيتحدث علناً ويلقي اللوم على المسؤولين الإسرائيليين، و..، بعد حوار طويل، يغيّر شتيرن نبرة صوته ويقول: " والآن، كما اتفقنا يا سيّدي، سأدعو إلى اجتماع في الغد للخمسة الكبار، ونظراً لتلك التطورات في واشنطن، فإنه من الملح أن نشرع في اقتراحنا (هيبرون) على نحو حاسم.." . يعيد ايشيل سماعة الهاتف، وهو يشعر بأنه خائر القوى. إن آلام عموده الفقري، التي ترافقه منذ أن أصيب إثر هبوطه الخاطئ بالمظلة في حرب السويس، أخذت تشتد عليه حتى أصبح يلتقط أنفاسه بصعوبة، مما يضطره لأن يأخذ قرصاً آخر مسكناً للألم، فهو سيحتاج إلى كل فطنته ودهائه للشروع في أجرأ عملية سياسية تفكر فيها حكومة إسرائيلية منذ قيام الدولة.. لقد كان مبدؤه الذي لا يحيد عنه في عمله السياسي أنه "عندما يتعلق الأمر بالبقاء فإن المبادئ تعد من قبيل الترف".. إنه اليوم يواجه مسألة بقاء أو زوال، فالاشتباكات مع الفلسطينيين تتصاعد حدتها، والصراع العربي الإيراني لم يعد كما كان، ولبنان الذي كان مشغولاً بنفسه أصبح له شأن آخر، والأخطر من كل ذلك أن الرئيس الأمريكي مصرّ على عدم تقديم أي دعم لإسرائيل إلا إذا استجابت للشروط الأمريكية.. لقد أعاد عناد هذا الرئيس إلى ذهن ايشيل فكرة (زوال) دولة إسرائيل، لأنه (لا بقاء لإسرائيل بدون الدعم الأمريكي اللامحدود) . ومادام الأمر قد وصل إلى هذا الحدّ، فليس أمامه سوى السير في خطته الجريئة، و.."اللعنة على ما يصيب العالم من تداعياتها"..

في اليوم الثاني يجتمع الخمسة الكبار في المزرعة الآمنة التي تبعد سبعة كيلومترات عن القدس. والخمسة هم: رئيس الوزراء أهارون ايشيل، ومدير الموساد الجنرال بنيامين شتيرن، ووزير الدفاع ناتان ميتنز، ووزير الخارجية ايدموند روثبيرج، ووزير المالية جيرشون ياهاف. كان ايشيل وشتيرن و ميتنز من العسكريين ذوي الأداء المتميّز، أمّا روثبيرج وياهاف فهما من المتخصصين الأكاديميين الموهوبين جداً. وفي الاجتماع تحدث رئيس الوزراء ايشيل، وكان مما قال: " باختصار، إنني أطلب منكم الليلة أن تخولوا الموساد، سياسياً ومادياً أن يضع الأساس لأهم العمليات وأكثرها سريّة في تاريخ أمتنا على الإطلاق ( العملية هيبرون) التي تهدف إلى انتخاب عميلنا- سيناتور أمريكي حالي- رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية"، "إلى الآن يعتبر وجود هيبرون واحداً من أكثر أسرارنا الخاضعة لأقصى درجات الحماية، بل تخضع لحماية أكثر من ترسانتنا النووية"، " سنلتقي مرة أخرى لنقرر ما إذا كنا سنمنح الموساد الموافقة النهائية، وعندها سأسمح للموساد بإطلاعكم على شخصية هيبرون، الذي نتمنى أن يكون الرئيس الأمريكي القادم، وبتعبير سياسي سيكون مسيحنا المنتظر الجديد"، " إذا نجحت العملية هيبرون، فإننا سوف نغيّر على نحو جذري قدرتنا على السيطرة على السياسة الأمريكية لعقد من الزمان، وخلال هذا العقد سوف نعدّ ترتيبات ومعاهدات متبادلة ستستمر لجيل إسرائيلي آخر. لا كامب ديفيد أخرى، ولا مفاوضات أوسلو أخرى، ولا اتفاقيات واي أخرى"، " سوف نفعل ما نريده وليس ما يريده غيرنا.

في المرة القادمة عندما يرفع صدام حسين أو أي ديكتاتور عربي رأسه القبيح سوف نزيل هذا الرأس من على الخريطة، أو بالأحرى سوف نحمل رئيس الولايات المتحدة على بتره لحسابنا". وبعدما أنهى رئيس الوزراء حديثه، وطلب تعليقات الحاضرين، ذكر وزيرُ الخارجية أن صحيفة واشنطن بوست نقلت عن أحد الصحفيين الإسرائيليين قوله: " إن أهارون ايشيل يملك الكونجرس الأمريكي"، ثم تساءل : " نحن متفقون على أنك ، أهارون، تمتلك الكونجرس الأمريكي، فما هي إذاً مبررات هذه المقامرة البالغة الخطورة؟. إن الأمريكان المجانين ينفقون مائة وخمسين مليون دولار على الانتخابات، فهل أصبحنا فجأة بمثل هذا الثراء؟، لدينا مشاريع اجتماعية ويحتاج شعبنا لهذه الأموال".

تردد رئيس الوزراء في الإجابة ثم قال: " لدينا تأثير على الكونجرس سواء زعمت الصحف ذلك أو لم تزعم.. كان لنا دائماً مثل هذا التأثير، ولكنني لا أريد التأثير فقط. هل تفهمون؟ إنني أريد السيطرة على أقوى مكتب على سطح الأرض.. ثم، من قال إنني أطلب منكم إنفاق مائة وخمسين مليون دولار؟ ما أريده هو عشرة ملايين أو عشرين مليوناً فقط ننفقها حيث يجدي الإنفاق ويثمر عن تغيير.." وهنا كتم وزير المالية ضحكة ندّت عنه فالتفت إليه رئيس الوزراء متسائلاً عن سبب ضحكه ، فقال الوزير : " أعتذر لمقاطعتك، ولكن طريقة صديقي العزيز روثبيرج في الحساب لا تليق برجل خريج أوكسفورد. إننا نتلقى من الولايات المتحدة كل عام أكثر من أربعة مليارات دولار على شكل مساعدات غير قابلة للسداد، فكيف تستكثر عشرة ملايين دولار نأخذها من صندوق الطوارئ الذي هو في الحقيقة من أموال الأمريكيين أنفسهم؟". سأل رئيس الوزراء إن كان ثمة تعليق آخر، ولكن أحداً لم يتكلم، وعندها أخذ رئيس الموساد يشرح التفاصيل المسموح بها عن العملية..

في الفصل الثالث تنتقل (الرواية) لتصور جريمة قتل ثانية ضد مسؤول أمريكي على درجة عالية من الخطورة. هنا يعرف القارئ أن القاتلة مجرمة محترفة تلبس لباس مومس، وأن القتيل هو (ريتشارد سورينسون) سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوربي. خلاصة الفصل الذي يسهب في وصف أشياء لا تهمّنا، أن السفير حضر بسيارته الفارهة، و معه سائقه، ليحمل المومس من شارع فرعي في العاصمة البلجيكية إلى مقرّ إقامته الفاخر.. كان ذلك في الساعة التاسعة من ليلة الثامن والعشرين من أيار (مايو) . كانت الاحتياطات الأمنية التي يلتزمها سورينسون ويلزم العاملين معه بها بالغة الدقة والصرامة, ولكن استهتاره الأخلاقي مكّن القاتلة المحترفة من التغلّب على كل احتياطاته الأمنيّة. لقد وضعت له المخدر في كأس الشراب، وعندما تيقنت من نومه غرزت كمية من الهيرويين الصافي، تكفي لقتل رجلين، تحت إبطه الأيسر.

وعندما خرجت من الغرفة، طلبت من الحارس، الذي هو السائق نفسه، ألا يوقظ سيّده حتى ساعة متأخرة من الصباح التالي. وبعد أن تأكدت أن الحارس قد أغلق الباب الحديدي وراءها، ألقت قصاصة ورق مكرمشة إلى جانب الممر الحجري في حديقة البيت الفاخر، ثم صعدت سيارة الأجرة التي كانت تنتظرها على مسافة ليست بعيدة، ثم انطلقت السيارة مسرعةً نحو المطار. عندما هبطت الطائرة في مطار جنيف تنفست القاتلة ومساعدها (بيتر)، سائق سيارة الأجرة، الصُّعداء.. لقد نفذا المهمة المطلوبة، ولم يبق إلا أن يقوم (إبراهيم)، الوسيط الشرق أوسطي في العملية، بإيداع المبلغ المتفق عليه في البنك.

يشرح الفصلُ الرابع الهيجانَ الذي اجتاح مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن بلغه خبر مقتل سورينسون.. وهنا نعرف أن القتيل هو الصديق الوفي للرئيس الأمريكي (هوارد لي دوجلاس)، وأن التي ستتولى التحقيق في موته هي ليندا شتراوس ، رئيس فريق مكتب التحقيقات في الحادثة التي جاءت في الفصل الأول من الرواية. يركز المؤلف على شخصية المحققة شتراوس، ويخبرنا أنها يهودية، أبوها من جيل اليهود المتعصبين الذين يرون أن ولاءهم لدولة إسرائيل مقدّم على الولاء للولايات المتحدة، أمّا هي فإنها على عكس ذلك، لقد دفعها ولاؤها لبلدها إلى متابعة الجاسوس الغامض في وزارة الدفاع إلى أن تمكنت من التعرف على شخصيته. ورغم أنها اكتشفت أنه ( جوناثان بولارد) الإسرائيلي فأنها ظلت تتابع قضيته وتقدّم شهاداتها بحقه، إلى أن ثبتت إدانته . كان هذا الإنجاز الذي أدى إلى ارتقائها السريع في السلم الوظيفي في مكتب التحقيقات، قد سبب لها مشاكل عائلية، وقطيعة مع والدها الذي يعتبرها قد خانت دينها وقومها. ورغم حبها لأبيها واحترامها له، فإنها لم تتراجع عن موقفها الذي تعتبره أساس المواطَنة. ويسهب الكاتب في الحديث عن المحققة التي وصلت إلى ما وصلت إليه بإخلاصها وجدّها ومواهبها المتعددة.

وكأنه يريد أن يوحي لليهود الأمريكيين أن كفاءتهم وولاءهم لبلدهم ، لا العمالة لإسرائيل، هما السبيل الصحيح للارتقاء. ثم يصف الفصلُ الوهلةَ الأولى التي أصابت مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن وصلته أنباء مقتل السفير الأمريكي. فقد كان الإيرانيون والعراقيون والإسرائيليون هم الأكثر احتمالاً في المسؤولية عن مقتل سورينسون، ولكن سرعان ما تبين أن هناك لقاءات سرية كانت تجري بين سورينسون وبين السفير الليبي في بلجيكا الذي يتولى المسؤولية عن أجهزة الاستخبارات الليبية في أوروبا (حامد فزاني) ابن عم العقيد طارق فزاني (حاكم ليبيا). لقد كان رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي يتابع هذه اللقاءات بقلق شديد، وكان مبعث هذا القلق أمران: الخوف على حياة سورينسون من جهة، ومعرفة إسرائيل بهذه العلاقات من جهة ثانية.

فقد استدعى وزير الخارجية الإسرائيلي السفيرَ الأمريكي في إسرائيل وطلب منه تفسيراً لهذه العلاقات. لقد كانت متابعة الإسرائيليين لهذه اللقاءات مبعث إحراج للحكومة الأمريكية أمام الحكومة الإسرائيلية، وأمام جماعات الضغط اليهودية الأمريكية. بدأت المؤشرات تتجه إلى مسؤولية الليبيين، ولكن رسالة مشفرة تصل إلى شتراوس من بروكسل تقول إن السفير الليبي في بروكسل أرسل رسالة عاجلة إلى طرابلس يخبرهم بمقتل سورينسون، ويطالب بالعمل على كشف الجهة التي تقف وراء العملية، لأن اللوم سوف يلقى على الليبيين إذا لم يُعرف الفاعل الحقيقي. لقد خففت هذه الرسالة من احتمال وقوف الليبيين وراء العملية، ولكنها لم تنفِ هذا الاحتمال تماماً.

الفصل الخامس يأخذ من ردة فعل الرئيس الأمريكي (هوارد لي دوجلاس)، إثر مقتل سورينسون، مدخلاً لمعرفة المزيد من التفاصيل عن الرجلين معاً، ولوصف الصورة العامة لصناعة القرار الأمريكي. لقد كان سورينسون صديق عمر الرئيس، وشاهد زواجه، ومدير حملته الانتخابية، وممثله لدى الاتحاد الأوروبي.. وأكثر من ذلك، فقد كان القتيل هو أشد مناصري الرئيس في وجه الضغوط التي تمارسها إسرائيل والجماعات اليهودية الأمريكية عليه. لقد انتاب الرئيس شعور يمتزج فيه الغضب الجارف بالحزن العميق؛ فقد خسر صديقه وأقوى المدافعين عن منهجه السياسي، وفقد كذلك اطمئنان سفرائه وموظفيه في أنحاء العالم الذين سيشعرون أن ظهورهم مكشوفة ولا أحد يحميهم.

وأكثر من ذلك، فقد عرّض نفسه وحكومته لسخرية الآخرين الذين سيجدون فرصة للنيل من مكانة الولايات المتحدة في العالم. إن أمام الرئيس الآن مهمتين عاجلتين: أن يعرف الجهة التي تقف وراء مقتل سفيره في بلجيكا، وأن يحافظ على استمرار المنهج القومي الذي وضع هو أسسه لتقوية مكانة الولايات المتحدة خارجياً، وزيادة رفاهية الشعب الأمريكي في الداخل. سوف يعتذر، لأسباب صحية، عن ترشيح نفسه للانتخابات القادمة التي لم يبق عليها إلا أشهُر قلائل، وبالتالي فإن أمامه الآن خياراً واحداً هو أن يساند صديقه الآخر المتبقي، ونصيره السيناتور الجمهوري ( جورج جونسون) رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وأقرب الناس إلى منهجه السياسي بعد سورينسون. لقد كان ثلاثتهم يشكلون مثلث الضغط القوي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية، أما الآن فقد أصبح الأمر في غاية الخطورة .

هناك مرشح آخر هو نائب الرئيس (هيز)، ولكنّ هيز الموظف الفذ، والمؤيد القوي للسياسة القومية التي ينتهجها الرئيس، لا يمتلك المؤهلات القيادية، وبالتالي فسوف يقنعه ألاّ يرشح نفسه للرئاسة، بل يقف إلى جانب جونسون حتى لا تتبدد أصوات المؤيدين، وبحيث يبقى هيز نائباً لجونسون في رئاسته هو الآخر. إن التحدي الآخر، الذي يواجه الرئيس الآن، هو أن يتصدى لمرشحين اثنين هما (دان كرامر)، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري المرتد الذي أعلن عن تشكيل حزب ثالث، والذي يقف وراءه أبو زوجته اليهودي الثري القادر على جمع تبرعات اليهود الأمريكيين وحشدهم وراء صهره، و (ويس ويستليك) الديموقراطي، الذي يصفه دوجلاس بأنه (ابن زانية.. إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين). وإن نجاح أي من هذين المرشحين يعني أن جهوده التي بذلها لترسيخ الروح القومية ستذهب أدراج الرياح.
في هذا الفصل يختلي الرئيس دوجلاس بصديقه جونسون ويحثه على أن يبذل أقصى جهده للنجاح في الانتخابات القادمة، و يطلب منه أن يطلعه يومياً على نتائج مساعيه، وبالمقابل يعده بأنه سوف يستثمر موقعه في الرئاسة لتذليل العقبات التي تعترض نجاحه في الانتخابات القادمة.

في الفصل السادس تنتقل الأحداث إلى قصر بالغ الفخامة تحيط به حمايات شديدة الكثافة، ويطل على نهر موسكو في أحد أطراف العاصمة الروسية. إنه المقر الريفي للرئيس الروسي ( فلاديمير ستيبانوفيتش بوبوف). في غرفة من غرف القصر يجلس الرئيس الروسي مع (اندريه جريجوريفتش سترافينسكي) وزير خارجيته و ( بوريس الكسندروفيتش روستوف) رئيس جهاز الاستخبارات الروسي " سي. في. آر" ، و الجنرال ( يوري ايفانوفيتش بوزوف) رئيس مكتب العمليات الأمريكية في جهاز الاستخبارات الروسي. إن بوزوف قد حقق للاستخبارات السوفييتية السابقة إنجازات لا تُقدّر بثمن، وهو الآن يقدّم اقتراحاً بالغ الخطورة، وإذا ما تمكّن من إقناع الرئيس بأهمية الاقتراح الذي نال إعجاب رئيس الاستخبارات، فإن الحكومة الروسية التي كبّلها التأثير الإسرائيلي على القرار الأمريكي، سوف يكون لها التأثير الأكبر في صناعة هذا القرار . لقد كان اقتراح الجنرال بوزوف هو العمل على اختراق المخابرات الإسرائيلية، والمنظمات اليهودية الأمريكية، عن طريق رجال المافيا الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل.

لقد اتخذ رجال المافيا هؤلاء من تل أبيب، التي لا تخضع لقوانين غسل الأموال، مركزاً لعملياتهم الإجرامية حول العالم، وبعضهم مرتبطون ارتباطا مباشراً مع مكتب بوزوف، وبدعم منه أصبح لهم تأثير كبير على شخصيات هامة في جهاز الموساد، من بينها مسؤول كبير اسمه الرّمزي (فولجا)، الذي يعني النهر الروسي الذي يجري بغزارة عالية. إن الموافقة على إعطاء بوزوف صلاحيات أكبر سوف تجعل الأسرار الأمريكية، التي تتسرب إلى إسرائيل دون مقاومة ، تتابع طريقها إلى موسكو دون إبطاء، بل إن ما تتمنى موسكو من واشنطن أن تفعله سوف يصبح واقعاً من خلال التحّرك على الاتجاه الآخر من الطريق ذاته. ولإقناع الرئيس بوبوف ووزير الخارجية بوجهة نظره، كشف بوزوف عن أسرار مقتل السفير الأمريكي، التي نفذها الموساد بموافقة خاصة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أراد أن يحقق مكسبين كبيرين: قطع الطريق أمام التقارب الأمريكي الليبي، وتحطيم الرئيس الأمريكي الذي سيفقد أهمّ أنصاره في مواجهة الضغوط الإسرائيلية.

لقد أوضح بوزوف أن رئيس مكتب الموساد في واشنطن اتصل بعميل للموساد اسمه إبراهيم وطلب منه أن يستأجر قاتلاً يونانياً محترفاً اسمه (بيتر) لتنفيذ المهمة. ولأن إبراهيم كان قد استأجر ذلك القاتل من قبل لتنفيذ مهمة لصالح إيران، فقد كان من السهل عليه أن يقنعه أن هذه العملية هي لصالح إيران أيضاً. " لقد ظن الإيرانيون أن إبراهيم يتعامل معهم وحدهم ، والإسرائيليون يظنون أنه عميل مزدوج، وهو في الحقيقة عميل ثلاثي الأوجه، فإنه هو الذي أبلغنا بالأمر". ثم كشف لهم عن (بعض) أسرار العملية الإسرائيلية (هيبرون)، وقدّم للرئيس شريطاً مسجلاً فيه لقطات من حوار الخمسة الكبار في المزرعة (الآمنة) القريبة من القدس.

يعود بنا الفصل السابع إلى العاصمة البلجيكية بروكسل لمتابعة التحقيق في مقتل السفير سورينسون ، وهنا تدور الأحداث بين مبنى السفارة الأمريكية، والبيت الفاخر الذي كان يقيم فيه السفير القتيل. وخلاصة الفصل أن المحققة شتراوس، عندما تهبط في مطار بروكسل، تشتري جريدتين يوميتين، وتعثر في إحداهما على خبر صغير مفاده العثور على جثة مومس ملقاة في حي ناءٍ على طريق المطار، وبمساعدة صديقها المفوض البلجيكي (جاك)، تحصل على صورة واضحة لصاحبة الجثة. وعندها يأتي دور الحارس الخاص للسفير الذي يتذكر أن صاحبة هذه الصورة قد زارت السفير قبل أيام من مقتله، وكان برفقتها رجل اسمه (بيتر) وامرأة أخرى سوداء الشعر، خضراء العينين، وأن تلك الأخيرة هي التي أحضرها القتيل في الليلة التي قُتل فيها. قرينة أخرى يلتقطها المفوض البلجيكي، هي قصاصة الورق المكرمشة الملقاة إلى جانب الممر الحجري في مكان إقامة السفير القتيل. لقد كانت قصاصة من صحيفة يومية عراقية.. وإذاً، فإن جريمة قتل السفير كانت لأسباب سياسية، وإن وراءها دولة من الشرق الأوسط. فهل هي العراق التي تبحث عن طريقة للنكاية بأمريكا، أم إيران التي أرادت رمي عصفورين بحجر، أم أنها جهة أخرى؟

الفصل الثامن يتحدّث عن صورة السياسي العربي عند الأمريكيين، حيث (الذهب الخالص) بديلاً عن المسدسات الكاتمة الصوت، والشراب المعتّق عوضاً عن الشراب المسموم!..إنها زيارة (وليام راسيل) مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، في السادس من حزيران (يونيو)، لصديقه الثري المغربي منصور شريف (باشا مراكش) المقرّب من الملك المغربي الشاب، وتاجر السلاح الذي لن يبخل على ضيفه بالدعم المالي، الذي أرسله الرئيس دوجلاس من أجله، لتغطية الحملة الانتخابية القادمة. في قصره العامر بأشكال الترف المتجانسة وغير المتجانسة، في منتجع (ميجيف ) الذي شيّدته أسرة روتشيلد، يستقبل منصور صديقه القديم راسيل ويتبادل معه كلمات الترحيب، ثم يطلب لضيفه صنفاً من أغلى أنواع الخمور، أما هو فيطلب لنفسه (ماء).

"يجب على المرء ألاّ ينسى أبداً جذوره، وباعتباري بدويّاً، يجب أن أكون مستعداً للعودة إلى الصحراء إذا دعت الضرورة، وهناك ليس أمامي سوى الماء"، فيردّ راسيل: " دائماً أنت فيلسوف يا صديقي، إنني أفتقد حكمتك العالمية عندما أعود إلى الوطن".. تبدو سخريةً لطيفة ، ولكنْ لا بأس، فهما صديقان، وراسيل ضيفه. يسأل منصور ضيفه: " قل لي يا بيل، ما هي المسألة الفظيعة التي توشك قوتكم العظمى على أن تطلق شرارتها في العالم خلال الصيف؟ هل أنتم بصدد تدمير الهند وباكستان الآن لأنهما اختبرتا قنابلهما النووية مرة أخرى؟ ومن ثم، هل يتعين علي أن ألجأ للصحراء؟".. يتغافل الضيف ويبتسم، ويدخل في صلب الموضوع ملوحاً بأنه جاء من أجل المال، وموضحاً لصديقه أن أمريكا ستواجه مشكلات يصعب تصورها في الشرق الأوسط إذا ما جرى انتخاب السيناتور ويستليك،..، وهناك أيضاً كرامر، وأنت تعرف من أين جاء بأمواله". ويسهب الضيف في حديثه، ولكن المضيف يتغابى ويسأل ضيفه: ".. قل بدقّة أكثر، ما هي المشكلة لكي أتمكن من حلّها؟".

ولكنّ مستشار الرئيس الأمريكي لا يتسوّل صراحة، وإنما يكتفي بالاقتراب من الهدف أكثر قليلاً، معتمداً على ذوق مضيفه الذي لابد أن يكون قد أدرك ما حلّ بضيفه من ضيق. هنا يحاول منصور أن يخفف عن صديقه الحرج ، فيتحدث بسخرية لطيفة يطمْئن ضيفه لما وراءها : " .. إلى جانب هذا يا صديقي، الصهاينة في الولايات المتحدة جعلوني أكسب أموالاً أكثر من أي شخص آخر، إذ بفضل عرقلتهم لموافقة الكونجرس على مزيد من مبيعات مقاتلات أف-15 للملكة العربية السعودية، تسنى لي ولشركائي السعوديين أن نمضي قدماً في صفقة التورنادو،…، عمولاتي ستجعلني مكتفياً طوال حياتي،…، كلما وصلني بيان بحساباتي المصرفية أشرب نخب الصهيونية". مرة أخرى، وعلى مائدة العشاء الخفيف، تُطرح الأفكار مع أطباق الطعام المتعددة: يحدّث الضيف مضيفه عن موضوع الاستثمارات المشتركة عارضاً مجموعة من أشكال الاستثمار المغرية، وملوّحاً في الوقت ذاته بأن ذلك لن يكون ممكناً إذا نجح ويستليك في الانتخابات!!. هنا يقاطعه منصور : " بيل، يجب على شعبكم كله أن يعرف أن كل سياسي ما هو إلا بغي!، والبغايا وحدهن هن الأكثر جدارة بالاحترام، على الأقل هن يقدمن ما يعدن به.. الوصول للسلطة والبقاء فيها هناك ]عندكم[ هما لعبتان مختلفتان.. لماذا أنتم تصرون دائماً على إضاعة وقتكم في محاولة التودد إلى مجموعة أو استعباد أخرى؟،..".

ويستمر الحوار إلى أن يصل إلى ذروته، حيث يتكلّم منصور بانفعال محرج للضيف: " ..، هل السيناتور ويستليك حقيقة بمثل هذا السوء؟! إنه أكثر موالاة لإسرائيل من بقية أعضاء مجلس الشيوخ، حتى أكثر من كرامر، ولكن بالنسبة لهذه النقطة فإنه لا يبدو في مثل كفاءة الآخرين، وهذا يعني أنه ربما يتعامل مع قضية الشرق الأوسط بصورة أكثر سهولة من رجل أكثر ذكاءً يظهر في البداية أكثر (إنصافاً)، إذا كانت هذه الكلمة قابلة للتطبيق في أي تقدير أمريكي للشرق الأوسط".. يثور راسيل: "يبدو أنك لم تستوعب بعدُ ما قلتُه. ابن العاهرة هذا الموالي لإسرائيل ] راسيل [ اكتسح الانتخابات الأولية في الولايات الغربية في مارس وهو في سبيله الآن للفوز بهذا الترشيح اللعين.. من أجل المسيح نريد منك أن تفعل شيئاً حيال ذلك.. الإسرائيليون يفوزون دائما لأنكم تجلسون بلا حراك تأكلون الحمص".. يضحك منصور: " اهدأ، بيل، لقد كنت أستفزك فقط، لأعرف إلى أي مدى يُعتبر ويستليك سيئاً بالنسبة لنا".

عندما ينهض الضيف متوجّهاً إلى فراشه، يعده منصور بأن يرسل له في غرفة نومه ملفاً صغيراً هو "قطعة من الذهب الخالص". وفي سريره كاد راسيل أن يرقص فرحاً!. لقد كان الملف مجموعة من الصور الفاضحة للسيناتور ويستليك!. لقد كان شيئاً مذهلاً للسياسي الأمريكي المحنك.. إن هذا الملف أكبر من أي دعم كان يتخيله وهو في طريقه إلى هذا القصر.. ولكنْ، كيف استطاع منصور أن يحصل عليه؟ . لقد سبق الأمريكيين أنفسهم في لعبة الانتخابات الأمريكية.."اللعنة، لقد كان منصور يلعب بي".
وفي واشنطن، كان ويستليك يتلقى المكالمات من خليلاته وهن يطلبنه بلهفة لا يدري سببها.

يعود بنا الفصل التاسع إلى البيت الأبيض لنتعرف على أسباب اللقاءات الخاصة التي كانت تتم بين السفير القتيل سورينسون وبين السفير الليبي فزاني. هنا يظهر الرئيس وهو يتحدث إلى القاضي (بيكر) مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي والمحققة شتراوس، وبحضور مستشاره للأمن القومي راسيل. يبدو على الرئيس الحزن العميق وهو يتكلّم موضحاً أنه هو الذي عرض على صديقه سورينسون أن يبادر فيوطد علاقاته مع السفير الليبي.. لقد كانت هناك سبب قاهر اضطره لهذا التصرف.. إنهم الأمريكيون المحتجزون في لبنان. لقد عجزت كل المؤسسات الأمريكية أن تكتشف أماكن المحتجزين، فضلاً عن الإفراج عنهم، فكان عليه أن يبحث عن وسيلة أخرى، التزاماً منه بالعهد الذي قطعه على نفسه أن يعمل على خدمة الأمريكيين.. وهنا جاءه الفرج عن طريق (منصور) أحد أصدقاء راسيل، الذي نقل له استعداد الليبيين للمساعدة في الإفراج عن المحتجزين.

وبعد أن عرض الأمر على سورينسون أبدى الأخير استعداده لهذه المهمة، مخاطراً بسمعته التي ستلوكها ألسنة هؤلاء العاملين في وزارة الخارجية، والذين "ليس بوسعهم سوى التفكير في البروتوكول وقيود السياسة". . ثم فشل الرئيس في كتم انفعالاته فوضع يديه على عينيه، وأدار لهم ظهره.. في نهاية الحديث تتحدث المحققة شتراوس قائلة: " إن الليبيين شعروا بالغضب لأن القناة التي كانت تربطهم بالبيت الأبيض قد أغلقت"، فيرد الرئيس: " حسناً، إنها أغلقت بالفعل إلى أن تتأكدوا ما إذا كان الليبيون متورطين في موت (ديك)..، إنه لم يكن سفيراً أمريكياً وحسب، لقد كان أفضل أصدقائي وأريد أن أعرف من فعل ذلك، سواء إذا ما تمكنّا من إثبات ذلك أمام المحكمة أم لا.. هذه المرة سنمحو طرابلس بمعنى الكلمة من الخريطة..هذا وعد!".

في الفصل العاشر تكتشف القاتلة (جاكي ماركوفيتش) أن الإيرانيين لم يضعوا في حسابها في جنيف أتعابها عن عملية بروكسل، فلا تجد أمامها بداً من الاتصال مع السفارة الإيرانية في باريس للاستفسار. يتصل مساعدها (بيتر) بالسفارة الإيرانية طالباً التحدث إلى (شادر قوير) المسؤول رسمياً عن الشؤون الدينية، والمندوب السرّي للحرس الثوري في فرنسا. لقد كان قوير صلة الوصل بين الحرس الثوري وبين (بيتر) في كل العمليات التي قام الأخير بتنفيذها لحسابهم. وأثناء حديثه الهاتفي مع بيتر يستشعر قوير الخطر بسبب إلحاح الأخير على ضرورة اللقاء العاجل.. بحديث رمزيّ، يتفقان على موعد، وفي الموعد يأتي قوير ومعه مساعدان، ويجلس على الطاولة أمام بيتر وهو يهمس متسائلاً عن السبب في هذا اللقاء.

وعندما يسأله بيتر عن أتعاب قتل السفير الأمريكي في بروكسل، يثور الرجل في وجهه، ويبلغه أن ثمة جهة أخرى قد خدعته: " هل جننت لدرجة أن تفكر ولو لدقيقة واحدة أنه من الممكن أن تفعل هذا الشيء؟! ألا تعلم أيها المعتوه أن قتل سفير يعامل في القانون الدولي كعمل من أعمال الحرب؟ هل جننت؟!". يستشعر بيتر أن الرجل صادق معه، وهو الذي كان دائماً صادقاً معه في التزاماته، ولكنه يندفع هو الآخر بدون روية: " لقد تم اختراقكم. رجالكم ليس لديهم أية ضوابط أمنية. لديكم الكثير من الدوافع، الكثير من الأموال ، الكثير من الكراهية، ولكن أين هي الاحتياطات الأمنية؟". القاتلة جاكي التي كانت تراقب من شرفتها المطلة على المقهى تهمس لبيتر عبر جهاز الاتصال الخاص المركب فوق أذنه، أن الإيراني صادق فيما يقول، وأن عليه أن يعتذر له، معتبراً أن القضية قد أُغلقت، وأنه سيكون سعيداً بتنفيذ أية مهمة أخرى يطلبها منه. ينهض الإيراني دون أن يمد يده إلى فنجان القهوة الذي أمامه، فيما يتفق بيتر و جاكي على موعد يتدارسان فيه ما سيفعلانه.

يتبع في الجزء الثاني والأخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق